Tuesday, September 29, 2009

حوار بين طفل ساذح وقط مثقف 4



بعد ثـلاثة أسـابيع قضـاها القـط في بيتـنا.. وقـع الحادث ذات صباح حزين.
تناولنا الإفطار بعد أن لعبنا بما فيه الكفاية.
شربت الشاي باللبن.. واكتفي هو باللبن.
رحت أتأمله وهو يشرب.. ما أغرب أسلوب القطط في الشرب.. قلت لنفسي أي مأساة لو كان الإنسان مضطرا أن يمد بوزه في الطبق ليلعق الماء كالقطط.
حاولت أن أجرب أسلوبه، فدلقت الشاي واللبن في الطبق وحاولت أن أشرب كالقط؛ فتناثر الشاي خارج الطبق وابتل لساني فقط ولم أستطع أن أشرب.
قلت للقط: كيف تشرب بهذه الطريقة الغريبة؟
قال: لعلك تحسدني.
قلت: بل أشفق عليك.. المسألة صعبة قليلا.
قال: راودني نفس الإحساس وأنا أراك ترفع الكوب بيدك إلي شفتيك وتشرب.. كيف لا تختنق وأنت تدلق الماء في فمك هكذا؟!
قلت ضاحكا: كدت أختنق حين حاولت الشرب من الطبق.
قال: تعال نجرب مرة ثانية.
قلت: تشرب أنت بطريقتي، وأشرب أنا بطريقتك؟
قال: نعم.
مد يده في كوبي فاندلق الكوب، وانحنيت علي طبقه ورحت ألعق منه، ودخلت أمي في هذه اللحظة الحاسمة.
لست أعرف الآن هل كان القدر الأعلي يرتب هذه اللحظة ليقع بعدها ما وقع؟ لست أعرف.. سأعرف فيما بعد حين أكبر أن كل شيء في الوجود لا يقع إلا لحكمة عليا.. حتي أوراق الأشجار التي يجيء عليها الخريف وتنقطع صلتها بالجذع الأم وتتهاوي في رحلة النهاية.
هذه الأوراق لا تنفصل عن الجذع قبل أن تسأل الله تعالي:
ــ هل أسقط؟
وتتحرك هبة من الهواء وهي تحمل الإذن.. وتتهاوي الورقة.
لا شيء يقع في ملك الله بغير إذنه.. ولئن بدا للمخلوقات أنها حرة فهي في حقيقة الأمر حرة.. حرة نعم.. ولكن داخل إطار المعرفة الشاملة التي تعرف من أين وإلي أين ولماذا وكيف.. وإذن فقد كان كل شيء مدبرا ليقع ما وقع للقط.
دخلت أمي فشهدت المنظر.
رأتني أقلد القط وشاهدَتْه يقلدني.. كانت أمي في شبابها سريعة الغضب، تسبقها يدها في التفكير..انهالت الصفعات علي وجهي وهو مدفوس في طبق القط.. ونال القط جانبا من الحب فانهالت عليه ثلاثة أقلام سريعة.
قفز القط من المائدة إلي الأرض مسرعا نحو باب الخروج.. في نفس اللحظة صدر الإذن للهواء أن يهب ويغلق الباب.
انغلق الباب علي ذيل القط.
اندلعت صرخة القط في مواء حاد.. تقلصت دموعي وقفزت إلي الباب وفتحته ونسيت أمي تماما.
كان ذيل القط يقطر دما.. وكان صديقي اللطيف الأنيس الصغير يشبه كرة من الألم تدور حول نفسها.
كان يصرخ مثل الكرة الأرضية وهي تدور في الفضاء.
انحنيت علي الأرض ورفعته إلي صدري.
جسده كله يرتعش.. وجهه يتقلص بألم يبرأ من التصنع.. أدهشني أن يصدر هذا التعبير المتكامل عن الألم من هذا المخلوق الهش.
كان وجهه يزداد عذوبة كلما تألم.
وكان مواؤه ينغرس في قلبي مثلما انغرست عصا موسي في الحجر.
لم تكد عصا موسي تضرب الحجر حتي انهار الصخر وتدفقت من قلبه اثنتا عشرة عينا.. لم يتألم الحجر من ضربة العصا.. ولكنه استحي أن يضربه موسي ولا يبكي.
بدأت أبكي أنا الآخر.
لم أستطع أن ألاحق بكاء الحجر.
أعرف أن عالم الدموع غامض ومحير.


--------------------

نييييييييييييييييييييييييييييييو

No comments: